اخبار محليةرياضةكتابات

جسر البوسفور ونبع تعز: حين تنفصل السلطة عن الضمير

جسر البوسفور ونبع تعز: حين تنفصل السلطة عن الضمير
فتحي أبو النصر

تخيلوا..في المساء، حين تلمع أضواء جسر البوسفور في اسطنبول وتتلألأ انعكاسات النرجسية على صفحة الماء، كان عارف جامل يتأمل ميدان تقسيم، لا لشيء، سوى لأنه يعتقد أن الوقوف تحت أضواء المدن اللامعة يمنحه وهجا لا يملكه.!

في الوقت ذاته، وفي زاوية نائية من مدينة أنهكتها الحرب وأذلها العطش، كان رياض الحروي يقف بصمت في ميدان نادي الصقر بتعز، يحصي بالأمل سبع منظومات شمسية تمد الحياة في شرايين آبار لا تكل ولا تمل. كصدقه جاريه لوالده الجليل.

أي فبينما كان جامل يحتفل مع الجالية، مبتسما لعدسات لم تكن موجودة، كان الحروي يحتفل مع الله بصمت، دون أن يصيح باسم والده أمام الملأ، بل ترك الماء يتحدث. 36 شهرا من الماء الجاري، من الحياء السائل، من النقاء المستمر بغير ضجيج، بلا بنرات، بلا هاشتاغات. هذا رجل تصدق، فارتفع.

أما جامل، فلنا معه شجن أطول من جسر البوسفور نفسه. هل نذكره وهو وكيل محافظة تعز حين اقتحم منتزه تعز بالسلاح؟ في غياب المديرة، في غياب القانون، في حضور الجشع؟ أراد تأجير مطعم بالقوة، وكأن تعز ملك شخصي، لا مدينة شرفاء. أما أخوه نبيل جامل، فقد أدار أزمة المياه كمخرج هاو في مسرحية حزينة بلا جمهور: ملايين الدولارات ذهبت كالماء، لكنها لم تعد ماء!

لكن من أنت، يا عارف؟ الحروي ليس في السلطة، لا يمسك قلم توقيع، لا يجلس على كرسي رسمي. لكنه جعل الأرض تفيض خيرا. أما أنت، فتجلس في المنصب منذ ألف عام هجري ولم تروِ حتى زهرة في شارع. أنت تملك الختم، لكن الحروي يملك القلب. وأنت تملك التوجيه، لكن الحروي يملك النية. وأنت تملك فقط صورتك.!

والحق يقال إن مصيبة تعز ليست فقط الحرب، بل هي آل جامل، حين تحولت السلطة إلى رافعة أنساب لا إلى أداة خدمة. وحين صار المنصب مجرد تذكرة سفر إلى تقسيم، في وقت ينتظرك الناس بينهم ، ومشروع تصوير سناب شات، بينما مدينتك تموت عطشا وتبكي.

فيا سادة، هنا ليس هجاء فقط، بل مرثية لضمير المسؤول.
فالحروي، الرجل الذي يصب الماء على المدينة كما تصب الأم الحليب في فم وليدها، لم يحتج ضوءا. أما أولئك فلن يرووا حتى ظمأهم.

وهكذا.. بين جسر البوسفور وآبار تعز تنهزم السلطة وتنتصر النية.!

بالمقابل وفي زمن تتراجع فيه الرياضة وتنهار البنية التحتية، يواصل الأستاذ رياض عبدالجبار الحروي كتابة فصول جديدة من الأمل والعزيمة. أربع حاويات من العشب الصناعي الحديث نحو نادي الصقر في تعز ليست مجرد عملية لوجستية، بل خطوة نوعية نحو استعادة المجد الرياضي وتأكيد أن تعز تستحق الأفضل.
فيما الجيل السابع من العشب الصناعي، بمعاييره العالمية، هو تجسيد لروح التجديد التي يقودها الحروي بإخلاص وحنكة، ويمثل قفزة نوعية نحو ملاعب آمنة، حديثة، ومؤهلة لتكون منصة للإبداع الرياضي.
على ان هذا الإنجاز ليس لناد فقط، بل لمدينة بأكملها أنهكتها الظروف، فجاءت لمسة العشب هذه كنسمة خضراء في صيف قاس.
لذلك شكرا للحروي، الذي يحول الأحلام إلى مشاريع، والكلمات إلى أفعال.
وطبعا طز في كل مضطغن زنيم، يعادي الخير والبهجة لأن مرآته لا تعكسهما

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى