حوادث

«الشرعية» و«المدنية» تُصدران حكماً تاريخياً بتصحيح جنس أنثى إلى ذكر



أيمن شكل

في حكم تاريخي استغرق قرابة عامين للبت فيه، استطاع بحريني أن يثبت أن ابنه المولود قبل 20 عاماً ومسجل على أنه «أنثى» هو ذكر، حيث قضت المحكمة الشرعية بتصحيح جنسه، فيما ألزمت المحكمة المدنية الجهات الرسمية بإثبات ذلك في الوثائق الرسمية، وتسجيله ذكراً في سجلاتهم لتنتهي معاناة شاب استغرقت عقدين من الزمن.

الواقعة التي مرت على محكمتين سردها وكيل الوالد المحامي د. عبدالله العلي، مشيراً إلى أن موكله لديه ابنة من مواليد سنة 2005، وقد ولدت بعضو أنثوي ظاهر وقُيّد لدى الجهات الرسمية بأنه أنثى، وعند وصولها إلى سن البلوغ لم يظهر عليها علامات بلوغ الإناث مثل الطمث، بل ظهرت عليها علامات البلوغ لدى الذكور من خشونة الصوت وعرض المنكبين، كما لم يحدث لديها الطمث مثل بقية الإناث.

وبعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة تبيّن أنها تحمل الكروموسوم الذكري (46 XY)، ولا تحمل الأعضاء التناسلية الأنثوية مثل الرحم والمبيض، مما سبّب لها الحرج الشديد والألم النفسي الكبير؛ بسبب التناقض بين مظهرها الخارجي وجنسها الحقيقي، وهو الأمر الذي حدا به لإقامة الدعوى، والمطالبة بتصحيح جنسها من أنثى إلى ذكر، وإلزام وزارة الصحة والجهات المختصة بتغيير جنسها واسمها في الأوراق الثبوتية.

وقدّم المحامي العلي الدعوى بداية أمام المحكمة الشرعية، وأرفق معها التقارير الطبية التي تؤكد دعواه، بينما دفعت وزارة الصحة بعدم اختصاص المحكمة الشرعية نظر الدعوى ورفعها على غير ذي صفة، لكن المحامي العلي أشار إلى أن تصحيح جنس البنت، يدخل في اختصاص المحاكم الشرعية كونه يبحث في طبيعة الإنسان، وهو ما أيّدته المحكمة في حكمها، منوهة إلى أن قانون الأسرة لسنة 2017 قد خلا من تنظيم هذا الموضوع، وأن مسألة الجنس من النوازل المعاصرة، ويتمّ الرجوع فيها إلى مبادئ الشريعة الإسلامية والقواعد العامة الفقهية.

وقالت المحكمة إن جمهور الفقهاء ذهب إلى أن بلوغ الذكر يتبيّن إن خرجت لحيته، أو أمنى، وكذلك ظهور الشجاعة والفروسية، ومثابرة العدو، وأن بلوغ الأنثى بظهور الثدي ونزول الحيض؛ كما أن الولادة تقطع بذلك.

وأشارت المحكمة إلى القرار الصادر من «المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي» عام 1989، والذي نظر في موضوع تحويل الذكر إلى أنثى، وبالعكس، والمحددات التي وضعها بشأن تحديد الذكر من الأنثى، وأنه لا يحل تحويل أحدهما إلى النوع الآخر، وأن محاولة ذلك يُعد جريمة يستحق فاعلها العقوبة؛ لأنه تغيير لخلق الله.

وأوضحت المحكمة أن المجمع الفقهي الإسلامي قد استدرك قائلاً: «أما من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال، فينظر فيه إلى الغالب من حاله، فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في ذكورته، ومن غلبت عليه علامات الأنوثة جاز علاجه طبياً، بما يزيل الاشتباه في أنوثته، سواء أكان العلاج بالجراحة أو بالهرمونات».

ونوهت المحكمة إلى ما جاء بالتقرير الطبي وإجراء الفحوصات السريرية والمخبرية والإشعاعية والجينية بأنه قد تبيّن للّجنة الطبية أن المدعية تعاني من حالة الأعضاء التناسلية المبهمة أو متلازمة الاستئناث الخصوي، وتبيّن للّجنة أنها تحمل الكرموسوم (46 XY) الخاص بالذكور، وارتفاع نسبة هرمون الذكورة (التستوستيرون)، مع وجود أعضاء ذكرية بدائية وعدم وجود أية الأعضاء التناسلية الأنثوية، وما خلصت إليه اللجنة بأن المذكورة هي ذكر، ولديها كل مقومات الذكورة، وسوف تحتاج إلى عمليات تصحيحية لاحقاً.

وأكدت المحكمة على أن حكمها ليس فيه تغيير لجنس المذكور أو تغيير لأصل صفة جنس الإنسان التي خلقه الله عليها أو إظهار لصفات جنس آخر، لأن هذا التغيير قد جاءت بتحريمه الشريعة الإسلامية الغراء، بل هو إظهار لحقيقة أصل جنسه الثابت بالأدلة الشرعية والحقائق الواقعية.

وحكمت المحكمة الشرعية بتصحيح وتعديل جنس ابن المدعي من أنثى إلى ذكر، وبعدم اختصاصها بنظر طلب تعديل الاسم، وأمرت بإحالته إلى المحكمة المدنية المختصة.

وبدأت المرحلة الثانية من رحلة الفصل في مصير المدعي لدى المحكمة المدنية، والتي قدّم أمامها المحامي د. عبدالله العلي حكم المحكمة الشرعية، وطلب القضاء بإلزام الجهات ذات الاختصاص بتصحيح وتعديل اسم وجنس المدعي في المستندات الثبوتية، حيث أحالت المحكمة الدعوى إلى لجنة الأسماء والألقاب، والتي انتهت في توصيتها إلى إجابة المدعي لطلبه.

وأشارت المحكمة المدنية إلى المستقر عليه في قضاء التمييز بأن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وتقدير قيمة الأدلة والمستندات المقدمة فيها، وقالت إنه بناء على حكم المحكمة الشرعية القاضي تغيير جنس المدعية إلى ذكر، وما خلصت إليه لجنة الأسماء والألقاب، حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليهم -كل فيما يخصه- بتغيير اسم ابنة المدعي وتغيير جنسها إلى ذكر في الوثائق الرسمية وتسجيل ذلك بسجلاتهم.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى