نهى عثرت على والدتها في العاصمة بغداد.. الأم العراقية لـ«الوطن»: «قلبي عرف طريقه»

مروان الجميلي
تعليق على «فيسبوك» أنهى ثلاثة عقود من فقدان الابنة لأمها
من البحرين إلى الأردن والعراق ومصر: رحلة بحث تُتوَّج بلقاء أم وابنتها
دموع اللقاء تعيد الحياة لأسرة فرقتها الحروب والنزوح
اللقاء المنتظر: المواطنة نهى عبد المنعم ستلتقي والدتها بعد غياب
نهى عبدالمنعم: أنتظر صدور تأشيرة والدتي على أحرّ من الجمر
في لحظة طال انتظارها، وانهمرت فيها دموع الحنين والرجاء، هزّ خبر العثور على والدة المواطنة المصرية المقيمة في البحرين نهى عبدالمنعم القلوب، وأعاد الأمل إلى أرواحٍ أنهكها الفقد ووجع السنين.
وأسفرت الجهود التي قادتها صحيفة «الوطن»، والتي تبنّت نشر قصة نهى بالتنسيق مع الإعلام العراقي والمؤثرين على منصات التواصل، عن نهاية سعيدة طال انتظارها، حيث تم العثور على والدتها بعد مشقة وبحث طويل.
وتأتي هذه النتيجة تتويجًا للتعاون المثمر بين الإعلام والمجتمع، في مثال حي على دور الصحافة في خدمة القضايا الإنسانية.
نهى، تلك الطفلة التي اختطفتها ظروف معقدة وشائكة لا مجال لذكرها في هذا الخبر السعيد من حضن أمها في أوائل تسعينات القرن الماضي، وعاشت عمرها تلهث خلف صورة، ذكرى، أو حتى اسم… استيقظت قبل أيام على أعظم مفاجأة في حياتها: «أمك على قيد الحياة.. وتسكن في بغداد».
بعد رحلة شاقة، تقطّعت فيها السبل، وأُغلقت الأبواب، وذُرفت فيها آلاف الدموع، لم تخب شمعة الأمل التي كانت تضيء قلب نهى.
الصورة القديمة في الظرف التي وُجدت صدفة في درجٍ مهجور، وكانت تشير إلى «حارة التركمان – سحاب في الأردن»، أعادت خيوط البحث إلى طريقٍ جديد، لكنه لم يكن هو المحطة الأخيرة… بل كان مفتاحاً قادنا إلى بغداد وحاراتها القديمة المكتظة.
إخلاص البهادلي سيدة عراقية مقيمة في عمّان ساهمت وبشكل كبير في حل لغز بدأ منذ حرب تحرير الكويت، أو بعدها بقليل تواصلنا معها أرشدتنا بالمستطاع وهو الكثير بالنسبة للمواطنة المصرية نهى عبدالمنعم.
وبالتنسيق مع بعض الصحفيين في العراق وتركيا رتبنا لقاء تلفزيونياً مع قناة الفلوجة الفضائية لنهى للظهور على شاشتها في أحد برامجها المشهورة بدموع وحسرة وألم واصفة حالها، وبعد ساعات من بث الحلقة تواصلت قريبة لوالدة نهى، لم تصدق نهى الخبر تواصلت معها عبر الفيسبوك بلهفة وأمل وشوق لتعرف الحقيقة على الفور أرسلت صوراً لسيدة كبيرة، نعم هي نعم هي، الوجه.. العيون، تم التوصل إلى نضال إبراهيم، والدة نهى، التي لم تنسَ ابنتها يوماً، وعاشت على أمل أن تعود لها الحياة بابنتها المفقودة.
لحظة الاتصال بين الأم وابنتها كانت أقرب إلى المعجزة.
صمتٌ خاشع.. تنهيدة طويلة.. ثم شهقة بكاء انطلقت من قلبين لم يتكلما منذ ٣٥ عاماً، بل منذ عام «الطفلة نهى» الأول، لكنهما تعرفا إلى بعضهما دون سؤال واحد.
تقول نهى لـ«الوطن» بدموع لا تنتهي: «لم أحتج أن أُثبت أنها أمي، قلبي عرفها قبل أن تنطق.. وصوتها أعاد لي عمري الذي ضاع».
ومن جهة أخرى تواصلنا مع الأم في اللحظات الأولى، وعبّرت الأم نضال بكلمات مخنوقة بالدموع: «كنت أدعو الله ألا أموت قبل أن أرى نهى.. وها هي تعود إليّ، وكأنني وُلدت من جديد».
وبصوت خافت ومرتجف، تحكي نضال إسماعيل، الأم العراقية التي أنهكها الشوق، حكاية عمرٍ ضاع في انتظار اللقاء.
تجاوزت نضال عتبة السبعين، لكن في عينيها حكاية، أم لم تغب عنها ابنتها يوماً، رغم مرور أكثر من ٣٥ عاماً على الفراق.
عاشت نضال على الأمل، تصلي وتبكي وتكتب رسائل لا تعرف إلى من تُرسلها، حتى جاء اليوم الذي سمعت فيه الصوت الذي حفظته في أعماقها… «ماما».
اليوم، تقف نضال على حافة الحلم، بعد عمرٍ من الألم، تنتظر اللقاء الذي تمنته على مدى عقود. تجري حالياً ترتيبات لقاء مرتقب، على أمل أن تجد نهى وأمها الراحة، وعلى أمل يتم مساعدتها للوصول لوالدتها بعيداً عن التعقيدات.
لكن ما هو مؤكد أن القلب الذي ظلّ ينتظر، وجد أخيراً وجهته، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الألم، والخوف، والضياع… تُكتب نهاية القصة بلقاء مرتقب يحمل في طيّاته كل معاني الشوق، والعفو، والحب.
لعلّ قصّة نهى ونضال تُصبح رسالة أمل لكل من ينتظر، ولكل من لا يزال يبحث عن أحبابه خلف ظلال الفقد والغياب، لأن الأمومة لا تشيخ، والحب لا يصدأ، والحنين لا ينسى طريقه وما في القلب يبقى في القلب.
فالفراق قد يُطيل الرحلة، لكنه لا يقطع الطريق.. والحنين قد يضعف الصوت، لكنه لا يُطفئ النداء.